السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

السبت، 8 يوليو 2017

سؤال وجواب ٣٨٤: كيف نستفيد من كتاب نيل الأوطار للشوكاني فقه الدليل؟



سؤال:
كيف نستفيد من كتاب نيل الأوطار للشوكاني فقه الدليل؟

الجواب : 
كأني بالسائل، لا يرى أن فقه المذاهب الأربعة، يمثل فقه الدليل، لذلك هو يسأل عن كتاب نيل الأوطار للشوكاني، وتمثيله لفقه الدليل!
هل يصح أن يقال: المذاهب الأربعة لا تمثل فقه الدليل؟
الحقيقة التي تغيب عن أذهان بعضنا بدعوى الاتباع ومعرفة الدليل: أن المذاهب الأربعة تمثل فقه الدليل الصحيح.
وقضية التعصب لدى بعض علماء المذهب قضية لا تسلم منها جميع المذاهب، حتى أهل الحديث يوجد في عوامهم وفي جملتهم من يتعصب، ويقلد!
فر يصح أن يقال عن فقه أبي حنيفة ، وفقه مالك، وفقه الشافعي، وفقه أحمد، وفقه الثوري ، وفقه الاوزاعي، وغيرهم أنه لا يمثل فقه الدليل!
بل لعل من اعتبرت كتبه تمثل فقه الدليل، لا يراعي فيها اصول الاستدلال وترتيب الأدلة، كما راعاها علماء المذاهب!
خذ مثلاً :
أول مشكلة : أساس الفقه ، فقه الدليل أن يكون فهم القرآن والسنة على ضوء فهم السلف الصالح!
هل راعى الشوكاني ذلك في كتبه؟!
ماذا كان موقف الشوكاني من قول الصحابي؟
يسوي الشوكاني بين قول الصحابي وقول غيره في المسألة، فلا يجعله معتبراً في فقه الآية أو الحديث، أو مراعى في فقه المسألة! وهذه مشكلة.
الإجماع أصل من أصول الاستدلال عند أهل السنة والجماعة، فالأدلة المتفق عليها عندهم: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
أما الشوكاني فإنه رحمه الله، بحجة أن هناك من يدعي الإجماع في مسائل لا يثبت فيها، فإنه يرد الإجماع المنقول، بخلاف الظاهرية، وغيرهم، وقد يكون فيهم من لا يعتبر خلافه في المسائل! وهذه مشكلة ثانية في فقه الشوكاني.
وتجد في مسائل أن الشوكاني يجمد على ظاهر اللفظ، كجمود الظاهرية، الذي ذمه أهل العلم.
والشوكاني عالم مجتهد جزاه الله خيرا .
خدم العلم، وله مسائل تكلم فيها وبرع ، وأنار الكثير من مسائل العلم ووضح فيها ، لكن لا يقال عن فقهه فقه الدليل!
بل فقه المذاهب الفقهية الأربعة هو فقه الدليل على الحقيقة والواقع.
وانظر الشوكاني توفي سنة 1250هـ، فهل حظي في فقهه بالخدمة العلمية أصولاً وفروعاً مثل ما حظي فقه المذاهب الأربعة، خلال ألف سنة؟!
فقه المذاهب على يدقق و ينقح ، ومصنفة فيه في كل جزئية في أصوله ، وفروعه ، مصنفات، في كل مسألة تجد كلاما لأهل العلم؛ في تقريرها بحسب الدليل من القرآن ، والسنة ، والإجماع والقياس، مع مراعاة أصول العلم التي يبنى عليها الاستنباط ، والتي يخل بها كثيرا ، أو ببعضها الشوكاني رحمه الله
تعلم فقه المذهب وابتعد عن التعصب؛
اذا جاءتك المسألة في المذهب مخالفة للدليل بوضوح أتركها ، واتبع الدليل ، وأحسن الظن بأهل العلم ترى العلم خزائن، 
من مفاتيح هذا الخزائن: 
السؤال .
ومن مفاتيحها : حسن الظن بالعلماء .
وهذا الشيء نحن جربناه؛ 
ولأمثل لكم ؛ 
في أول الطلب شغلتني مسألة زكاة عروض التجارة. 
وسألت الشيخ صالح اللحيدان حفظه الله، ورزقه الصحة والعافية، عن هذه المسألة ، كنت قابلته في مكتبة الباز التي عند المروة ، قابلت الشيخ وهو يشتري كتباً، فسألته عن هذه المسألة ، فأحالني إلى المغني ، والمجموع ، فقلت له : ما لقيت شيء ، قال لي : طالع يمكن تلقى عندهم أدلة في هذا الباب.
وسألت الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، كنا في مخيم الحج ، وسألته عن هذه المسألة ، فقال : عندنا حديث : "إنما الأعمال بالنيات"، فإن مقصد الذي يتاجر في عروض التجارة، قيمتها من النقود، والنقود عليها الزكاة، فتجب في عروض الزكاة الزكاة لأن المقصود منها قيمتها. ولم يتضح لي جوابه، لأني قلت: قد يكون مقصوده غير القيمة، وهو نفس العرض الذي يبيعه ويشتريه، كمن ييبادل ولا يريد قيمة بالنقود.
صرت اراجع المسألة في كتب العلماء ، امتثلت كلام الشيخ اللحيدان الله يحفظه ويرزقه الصحة والعافية.
طالعت كتب الفقه المطولة ، والمختصرة ،فوجدتهم إا تكلموا عن المسألة أوردوا الآيات العامة نحو قول الله تعالى: (وفي أموالهم حق معلوم) (سورة الذاريات الآية 19) .
فكنت أقول: هذا النص عام والأصل براءة الذمة ، أو هذا النص عام فسرته السنة بالأصناف التي ورد فيها النص، ولم تتبين لي دلالة هذه العمومات في المسألة!
لكن أحسنت ظني بأهل العلم، إذ ليس من المعقول أن كل هؤلاء العلماء يستدلون هكذا، والوضع بالصورة التي في ذهني!
ومعلوم أن أول طريق التعلم: 
أن تكتشف انك جاهل، وتعترف بذلك.
أن تحسن الظن بالعلماء .
المهم ؛ قلت ليس معقولا أن كل هؤلاء العلماء يستدلون بهذه الطريقة، بدون أن يكون له قصداً!
كنت أحب كتاب اللمع للشيرازي ، أحبه كثيرا ، فكنت اطالع فيه، ولما تكلم عن الاستصحاب فقال في "اللمع في أصول الفقه (ص: 122) عن استصحاب براءة الذمة : "يفزع إليه المجتهد عند عدم أدلة الشرع"اهـ
عندها انتبهت وقلت : اذا العلماء مرادهم بإيراد هذه العمومات أن يبنيوا أنه ليس الأصل براءة الذمة في هذه المسألة، بل الأصل انشغال الذمة بالزكاة في كل مال؛ لأن هذه العمويات شغلت الذمة ، وألغت دليل الاستصحاب (براءة الذمة)، وبينت انه لا محل للاستدلال في المسألة بدليل الاستصحاب، والذمة صارت منشغلة.
وجاءت الأحاديث على هذا الأساس؛ ففي سنن أبي داود تحت رقم (1574) عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ»، وصححه الألباني.
فانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "قد عفوت"، ففيه أن الأصل وجوب الزكاة في كل مال.
وفي سنن أبي داود تحت رقم (1572)، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَفِي الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ". [قال اكليل الجبل: رواه ابو داود في سننه ، كتاب الزكاة ، باب عروض التجارة ، تحت رقم 1574 / ورواه الدرامي تحت رقم 1629 / رواه أحمد في مسنده ، مسند الإمام علي رضي الله عنه ، تحت رقم 1237 و رقم 713 / ورواه البيهقي في سننه تحت رقم 134 و رقم 137 / رواه أبي يعلى في مسنده تحت رقم 561 / رواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ، باب زكاة العين ، تحت رقم 7077 / وحسنه العلامة الألباني في صحيح ابن ماجه ، كتاب الزكاة ، باب في زكاة الورق ، تحت رقم 1790 وهذه الرواية إلى قوله عليه الصلاة السلام في كل اربعين درهما درهما"اهـ]
انظر: ليس في البقر العوامل شيء، لأن الأصل وجوب الزكاة في كل مال.
المقصود أن الأحاديث جاءت على أساس أن الأصل وجوب الزكاة في كل مال، فجاءت بصيغة تنفي وجوب الزكاة ، وتبقي الحكم في اشياء معينة، والرسول صلى الله عليه وسلم عفى وخفف.
إذا استعمال دليل براءة الذمة، وبناء مسألة عدم وجوب الزكاة في عروض التجارة ، خطأ في ترتيب الأدلة، لأن محله عند عدم الدليل من الكتاب وتالسنة والإجماع والقياس.
والذي قادنا إلى هذا حسن الظن بالعلماء ، لأنه لا يعقل أن كل هؤلاء العلماء يوردن هذه الآيات، والآيات ما فيها دلالة ، فما وجه إيراد العلماء لهذه الآيات في المسألة ؟! عندها انتبهت فهمت انه كل من استدل بدليل الاستصحاب (براءة الذمة) ، في عروض التجارة ، استدل بالدليل في غير موضعه ، في غير محله ، لذلك على الطالب أن يحسن الظن بالعلماء!
كتب المذاهب الأربعة كتب مفيدة ، طالعها ، وتعلم منها ، واستفد.
والأصل أنك تتعلم كتب الفقه الشائع في بلدك، 
فإذا كان المذهب الحنفي هو الشائع في بلدك تدرس المذهب الحنفي.
الذي المذهب الحنفي شائع في بلده ، يتعلم الفقه الحنفي,
والذي المذهب المالكي شائع في بلده ، يتعلم الفقه المالكي .
والذي المذهب الشافعي شائع في بلده ، يتعلم الفقه الشافعي.
والذي المذهب الحنبلي شائع في بلده ، يتعلم الفقه الحنبلي .
لكن يؤصل نفسه في المسائل، على أساس اتباع الدليل، إذا حصل عنده في المذهب شيء خلاف الدليل، تابع الدليل. 
ومع كل هذا لابد من إحسان الظن بالعلماء، وأن تعلم أن ما تظنه مخالفة في المسألة للدليل بحسب ما تبين لك، قد يكون هو الراجح .
وعلماء المذهب لو استمعت إلى تقريرهم لدليل المسألة، لجعلك تحتار في الترجيح.
كنت أجلس مع الأساذ عبد الله حكمي، أمين مكتبة ثانوية مكة ، ثم صار أميناً لمكتبة مكة التي في حي الزاهر.
وكان من تلاميذ المعلمي والشنقيطي صاحب أضواء البيان.
وأذكر أني سألته مرة: هل كان الشنقيطي لما تسألونه عن مسألة يجيب كما في أضواء البيان، لما يذكر المسائل، قال: نعم، ولكن في آخر عمر الشيخ ما كان يرجح، يكتفي بذكر الخلاف في المسألة، ويسكت. فنقول له : يا شيخ ماهو الراجح؟ فيقول: يا ولدي أعفيني.
فقلت للاستاذ عبد الله حكمي: بم تفسر هذا؟
قال : كنا نفسر هذا أن الشيخ لما كبر زاد علمه ، فصارت الأدلة تتزاحم عنده، حتى في القول للذي كان يراه ضعيفا مرجوحا ، ممكن يرجح عليه ، صارت الأدلة تتزاحم عنده ، فيقف عن الترجيح .
اليوم طلبة العلم إلا من رحم علومنا قليلة، ولدينا قصور في الاطلاع على أدلة المذاهب، والترجيح سهل علينا بسبب قصر باعنا ، وضعف علمنا، وبعضهم على طول: هذا الراجح. وهذا القول باطل.
وبعد كم سنة يتبين أن هذا الضعيف هو الصحيح !
فلا تتعجلوا ، و لا تهجموا على الترجيح، واحسنوا الظن بأهل العلم.
واعلموا أن الفقه الموجود في كتب المذاهب مبني على للدليل، ومبني على الأصول السليمة الصحيحة ، وليس في كتب المذاهب التي خدمت ألف سنة مجال لأن تقيسها بكتب ليس لها إلا مئة سنة ، أو مئتين سنة ، أو مئة وخمسين سنة ، هذا شيء وهذا شيء ، والله المستعان .

فرغ السؤال والجواب من لقاء مساء الخميس 3/6 /1438هـ، الأخ إكليل الجبل، وفقه الله وجزاه خيراً.